سورة الحديد - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحديد)


        


قوله جلّ ذكره: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ}.
التسبيحُ التقديسُ والتنزيه، ويكون بمعنى سباحة الأسرار في بحار الإجلال، فيظفرون بجواهر التوحيد ويَنْظِمونها في عقود الإيمان، ويُرَصِّعونها في أطواق الوصلة:
وقله {مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} المردُ به من في السموات والأرض، يسجدون لله طوعاً وكرهاً؛ طوعاً تسبيحَ طاعةٍ وعبادة، وكرهاً تسبيح علامة ودلالة.
وتُحْملُ ما عل ظاهرها فيكون لمعنى: ما من مخلوقٍ من عينٍ أو أَثَرِ إلا ويَدُلُّ على الصانع، وعلى إثبات جلاله، وعلى استحقاقه لنعوت كبريائه.
ويقال: يُسبح لله ما في السموات والأرض، كلٌّ واقفٌ على الباب بشاهدِ الطّلَبِ , ولكنه- سبحانه عزيزٌ.
ويقال: ما تَقَلّب أحدُ من جاحدٍ أو ساجدٍ إلا في قبضة العزيز الواحد، فما يُصَرِّفهم إلا مَنْ خَلَقَهم؛ فمِنْ مُطيعٍ أَلْبَسَه نطاق وفاقه- وذلك فَضْلُه، ومِنْ عاصٍ رَبَطَه بمثقلة الخذلان- وذلك عَدْلُه.
{وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}: العزيز: المُعِزُّ لِمَنْ طَلَبَ الوصول، بل العزيز: المتقدِّسُ عن كل وصول.. فما وَصَلَ مَنْ وَصَلَ إلا حظِّه ونصيبه وصفته على ما يليق به.
قوله جلّ ذكره: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْىِ وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَئ قَدِيرٌ}.
المُلْك مبالغةٌ من المِلْك، وهو القدرةعلى الإبداع، ولا مالكَ إلا الله. وإذا قيل لغيره: مالك فعلى سبيل المجاز؛ فالأحكام المتعلقة في الشريعة على مِلْكَ الناس صحيحةٌ في الشرع، ولكنَّ لفظَ المِلْك فيها توسُّعٌ كما ان لفظَ التيمم في استعمال التراب- عند عدم الماء- في السفر مجازٌ، فالمسائل الشرعية في التيمم صحيحة، ولكن لفظ التيمم في ذلك مجاز.
{يُحْىِ وَيُمِيتُ}: يحيي النفوس ويميتها. يُحْيي القلوبَ بإِقباله عليها، ويميتها بإعراضه عنها. ويقال: يحييها بنظره وتفضُّله، ويميتها بقهره وتعزُّزه.


{الأول}: لاستحقاقه صفة القِدَم، و{الآخرِ} لاستحالة نعت العدَم.
و{الظاهر}: بالعلو والرفعة، و{الباطن}: بالعلم والحكمة.
ويقال: {الأول} فلا افتتاحَ لوجوده و{الآخر} فلا انقطاعَ لثبوته.
{الظاهر} فلا خفاءَ في جلال عِزِّه، {الباطن} فلا سبيل إلى إدراك حقِّه.
ويقال: {الأول} بلا ابتداء، و{الآخِر} بلا انتهاء، و{الظاهر} بلا خفاء، و{الباطن} بنعت العلاء وعِزِّ الكبرياء.
ويقال: {الأول} بالعناية، {والآخر} بالهداية، و{الظاهر} بالرعاية، و{الباطن} بالولاية. ويقال: {الأول} بالخَلْق، و{الآخِر} بالرزق، و{الظاهر} بالإحياء، و{الباطن} بالإماتة والإفناء. قال تعالى: {اللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [الروم: 40]. ويقال: {الأول} لا بزمان، و{الآخر} لا بأوان، و{الظاهر} بلا اقتراب، و{الباطن} بلا احتجاب.
ويقال: {الأول} بالوصلة، و{الآخر} بالخلّة، و{الظاهر} بالأدلة، و{الباطن} بالبعد عن مشابهة الجملة.
ويقال: {الأول} بالتعريف، و{والآخر} بالتكليف، و{والظاهر} بالتشريف و{والباطن} بالتخفيف.
ويقال: {الأول} بالإعلام، {والآخر} بالإلزام، {والظاهر} بالإنعام {والباطن} بالإكرام.
ويقال: {الأول} بأن اصطفاك {والآخر} بأن هداك، {والظاهر} بأن رعاك، {والباطن} بأن كفاك.
ويقال: مَنْ كان الغالبُ عليه اسمه: {الأول} كانت فكرته في حديثِ سابقته: بماذا سمَّاه مولاه؟ وما الذي أجرى له في سابق حُكْمه؟ أبسعادته أم بشقائه؟
ومَنْ كان الغالبُ على قلبه اسمه: {الآخِر} كانت فكرته فيه: بماذا يختم له حالَه؟ وإلام يصير مآلُه؟ أَعَلى التوحيد يَخْرُجُ من دنياه أو- والعياذُ بالله- في النارِ غداً- مثواه؟
ومَن كان الغالبُ عل قلبه اسمُه: {الظاهر} فاشتغاله بشكر ما يجرى في الحال من توفيق الإحسان وتحقيق الإيمان وجميل الكفاية وحُسْنِ الرعاية.
ومَنْ كان الغلبُ على قلبه اسمه: {الباطن} كانت فكرتُه في استبهام أمره عليه فيتعثَّر ولا يدري.... أَفَضْلٌ ما يعامله به ربُّ أم مَكْرٌ ما يستدرجه به ربُّه؟
ويقال: {الأول} علم ما يفعله عبادُه ولم يمنعه عِلْمُه من تعريفهم، {والآخِر} رأى ما عَمِلوا ولم يمنعه ذلك من غفرانهم {والظاهر} ليس يَخْفَى عليه شيءٌ من شأنهم، وليس يَدَعُ شيئاً من إحسانهم {والباطن} يعلم ما ليس لهم به عِلْمٌ من خسرانهم ونقصانهم فيدفع عنهم فنونَ مَحَنهم وأحزانهم.


قوله جلّ ذكره: {هُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ}.
مضى الكلام في ذلك.
{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا}.
أي ما يدخل فيها من القَطْرِ، والكنوزِ، والبذورِ، والأموات الذين يُدْفَنون فيها، {وما يخرج منها} من النبات وانفجار العيون وما يُسْتَخْرَجُ من المعادن.
{وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَآءِ}.
من المطر والأرزاق. أو ما يأتي به الملائكةُ من القضاء والوحي.
{وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا}.
أي وما يصعد إليها من الملائكة، وطاعاتِ العِباد، ودعوات الخَلْقِ، وصحف المُكَلَّفين، وأرواح المؤمنين.
{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
{وهو معكم} بالعلم والقدرة.
ويقال: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى الأَرْضِ} إِذا دُفِنَ العَبْدُ فاللَّه سبحانه يعلم ما الذي كان في قلبه من إخلاصٍ في توحيدهِ، ووجوهِ أحزانه خسرانه، وشَكِّه وجحوده، واوصافه المحمودة والمذمومة.... ونحو ذلك مما يخفى عليكم.
{وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَآءِ} على قلوب أوليائه من الألطاف والكشوفات وفنون الأحوال العزيزة.
{وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} من أنفاس الاولياء إذا تصاعدت، وحسراتهم إذا عَلَت.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7